
في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، تواصل المؤسسات الحكومية ترسيخ مكانتها بوصفها نماذج رائدة في التحديث المؤسسي، وتطوير الكفاءة التشغيلية، وتبني أفضل الممارسات الإدارية عالميًا. ومن بين هذه الجهات، تبرز هيئة الزكاة والضريبة والجمارك كنموذج متميّز يُجسّد روح التطوير المستدام والحوكمة الرشيدة.
لم يكن توجه هيئة الزكاة والضريبة والجمارك نحو تبنّي نموذج P3M3 مجرد خيار تقني، بل جاء انعكاسًا لرؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز التكامل بين المشاريع والبرامج والمحافظ، ورفع مستوى النضج المؤسسي بما يتوافق مع المعايير العالمية. وقد مثّلت الشراكة مع شركة سينكسيل خطوة مفصلية في هذه الرحلة، حيث ساعدت الهيئة على إعادة هيكلة بنيتها الإدارية وتفعيل ثقافة مؤسسية قائمة على الأداء والنتائج.
إن تجربة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في تطبيق P3M3 لا تقتصر على النجاح الداخلي، بل تمثّل مرجعًا وطنيًا وإقليميًا في كيفية توظيف نماذج النضج لدعم الاستراتيجية وتحقيق الاستدامة، الأمر الذي يجعل هذه التجربة جديرة بالتحليل والتوثيق.
نموذج P3M3 (Portfolio, Programme and Project Management Maturity Model)، الذي طورته جمعية AXELOS البريطانيةhttps://www.axelos.com/viewpdf، يُستخدم عالميًا لتقييم النضج المؤسسي في إدارة المشاريع والبرامج والمحافظ. يتألف النموذج من خمسة مستويات تبدأ من الإجراءات غير المنظمة، وتصل إلى مستوى التحسين المستمر، ويشمل سبعة أبعاد رئيسية:
ويتميّز نموذج P3M3 بأنه لا يركّز على أدوات المشاريع فقط، بل على البنية التنظيمية ككل. وقد مكّن النموذج العديد من المؤسسات حول العالم، ومن بينها هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، من تشخيص مكامن القصور في بنيتها الإدارية، ومن ثم صياغة خطط تطوير تدريجية قائمة على المعايير والممارسات الفضلى.
ووفقًا لما ورد في مصادر موثوقة مثل KnowledgeTrain، فإن هذا النموذج لا يُعد مجرد إطار تقني لقياس الأداء، بل يمثل مدخلًا شاملًا لإعادة تشكيل الثقافة التنظيمية وترسيخ مفاهيم الحوكمة والفعالية المؤسسية.
وفي هذا السياق، لعبت شركة سينكسيل دورًا محوريًا في تيسير تطبيق نموذج P3M3 داخل هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، حيث ساعدتها على تكييف النموذج بما يتناسب مع خصوصية بيئتها التشغيلية، مما مكّن الهيئة من تحقيق أثر ملموس ومستدام على صعيد الحوكمة والاتساق الاستراتيجي.
2. هيئة الزكاة والضريبة والجمارك: دوافع التحول وتحديات الواقع
قبل تطبيق P3M3، واجهت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك العديد من التحديات، مثل ضعف الترابط بين المشاريع والرؤية الاستراتيجية، غياب التناغم بين وحدات العمل، وعدم وجود آليات معيارية لتقييم الأداء. وقد كشفت التقييمات الأولية التي أجرتها الهيئة عن تفاوت في نضج مكاتب إدارة المشاريع، وغياب مؤشرات موحدة لتحديد النجاح المؤسسي.
خلال تقييماتها، رصدت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك هذه الفجوات بشكل مباشر، وهو ما أكدته دراسات مستقلة مثل تقرير Business Beam، الذي أوضح أن غياب النموذج يؤدي إلى ضعف في التواصل مع أصحاب المصلحة، وتقدير غير دقيق للمخاطر، وعدم تحقيق الفوائد المنشودة.
مما جعل اعتماد نموذج P3M3 خيارًا ثانويًا، بل استجابة استراتيجية واعية لتحديات عميقة، تهدف إلى إعادة بناء القدرات الإدارية، وضمان أن تصبح هيئة الزكاة والضريبة والجمارك منظمة ناضجة وفق أفضل الممارسات العالمية. وقد كان التحدي الأبرز هو مواءمة هذا النموذج مع الأطر الداخلية والتنظيمية القائمة لدى هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
اتبعت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك خارطة طريق تدريجية وفق مستويات النضج الخمسة لـ P3M3:
خلال هذه المراحل، واجهت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك تحديات تتعلق بتغيير الثقافة الداخلية وتطوير المهارات القيادية. إلا أن مرونة النموذج مكّنت الهيئة من تكييفه بسلاسة، بما يتناسب مع بيئتها المؤسسية، و وبحسب ما ورد في موقع WhatisPRINCE2.net، فإن المؤسسات التي تصل إلى مستوى النضج الأمثل مثل هيئة الزكاة والضريبة والجمارك تستخدم تحليلات تنبؤية وبيانات تاريخية دقيقة لاتخاذ قرارات استراتيجية أفضل، والعمل على تحسين أنماط التنفيذ بشكل مستمر.
كان من أبرز نتائج تطبيق نموذج P3M3 داخل هيئة الزكاة والضريبة والجمارك هو بناء منظومة حوكمة متينة تقوم على الأدلة والتحليل، حيث ساهم نموذج P3M3 في تعزيز قدرة الهيئة على تتبع الأداء لحظيًا، واتخاذ قرارات استراتيجية أكثر وعيًا، ورفع كفاءة التواصل مع أصحاب المصلحة، وقد انعكس ذلك على مستويات الرضا الداخلي، وسرعة تنفيذ المبادرات الاستراتيجية. كما أشارت تقارير مثل AXELOS 2022 إلى أن المؤسسات التي تطبق P3M3 تحقق نتائج أفضل في ضبط المخاطر، وتوزيع الموارد، وإشراك أصحاب المصلحة مقارنة بالمؤسسات غير الناضجة.
في تجارب دولية مماثلة لتجربة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، أظهرت بيانات شريك معتمد مثل IQANZ أن رفع مستوى النضج المؤسسي بمقدار مستوى واحد ضمن نموذج P3M3 يمكن أن يوفر ما بين 10 % و20 % من التكاليف، مع تقليل الفجوات في تحقيق الفوائد حتى 15 %، وهو ما يعزز التوقعات الواقعية لهيئة الزكاة والضريبة والجمارك بشأن تأثير تطبيق النموذج في تحسين الكفاءة وتقليص الهدر المالي.
تجربة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك يمكن مقارنتها بهذه التجارب، لا من حيث النتائج فحسب، بل من حيث تصميم نموذج داخلي قائم على فهم عميق لاحتياجاتها الوطنية، مما يعزز قابلية التكرار والاستفادة منه في مؤسسات مشابهة في الخليج.
لم يكن تطبيق P3M3 داخل هيئة الزكاة والضريبة والجمارك مجرد تحديث إداري، بل خطوة نحو خلق عقلية تنظيمية جديدة تنظر إلى المشاريع بوصفها أدوات استراتيجية، وليست مجرد أنشطة تنفيذية.
كما ظهرت ممارسات مؤسسية جديدة، مثل “التحليل التنبؤي”، و”النمذجة التشغيلية”، و”ربط المشاريع بمؤشرات وطنية”، وجميعها ممارسات ناضجة تعكس الرقي المؤسسي.
تدرك هيئة الزكاة والضريبة والجمارك أن بلوغ النضج المؤسسي لا يعني نهاية الطريق، بل بداية الالتزام بمنهجية تطوير دائمة. ولذا، أنشأت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك آلية دورية لمراجعة الأداء وفق P3M3، وتحديث خارطة الطريق المؤسسية كل عامين.
كما تم ربط نظام الحوكمة المؤسسية بمنصة رقمية تفاعلية، توفّر تقارير آنية للقيادة العليا، ما يعزز من القدرة على التنبؤ بالمخاطر وتعديل الأولويات بسرعة.
ما أنجزته هيئة الزكاة والضريبة والجمارك عبر تطبيق نموذج P3M3، ليس مجرد تحسين في العمليات، بل هو نقلة نوعية في الطريقة التي تُدار بها المؤسسات العامة، ويمثّل أحد النماذج المرجعية في الخليج العربي.
وقد انعكست هذه الجهود بشكل مباشر في ارتفاع مؤشرات النضج المؤسسي، وارتفاع نسب رضا أصحاب المصلحة، وتسارع في تنفيذ المبادرات الداعمة لرؤية المملكة العربية السعودية 2030.
كيف تُمكّن الاستشارات الإدارية المخصصة مؤسسات مثل هيئة الزكاة والضريبة والجمارك من تحقيق أثر طويل المدى عبر نموذج P3M3؟
تُعد الشراكة التي أقامتها هيئة الزكاة والضريبة والجمارك مع شركة سينكسيل إحدى الركائز الأساسية في مسيرة التحول المؤسسي للهيئة وفق نموذج P3M3. فقد اضطلعت سينكسيل بدور استراتيجي يتجاوز الاستشارات التقليدية، إذ قدمت منهجية تكاملية تشمل التخطيط، والتنفيذ، والتمكين، بأسلوب يتواءم مع واقع الهيئة وخصوصية بيئتها المؤسسية.
وقد ساعدت سينكسيل الهيئة في بناء خارطة طريق للنضج المؤسسي ترتكز على أربع دعائم رئيسية:
ما ميّز هذه الشراكة هو انتقال هيئة الزكاة والضريبة والجمارك من مستوى التطبيق الفني للنموذج إلى مستوى الترسّخ المؤسسي، بحيث أصبح P3M3 جزءًا لا يتجزأ من الثقافة التشغيلية لهيئة الزكاة والضريبة والجمارك. كما مكّن هذا التعاون هيئة الزكاة والضريبة والجمارك من بناء قدرات داخلية ذاتية، بما يضمن استدامة النضج دون اعتماد دائم على الدعم الخارجي.
من خلال هذه الشراكة، لم تكتفِ هيئة الزكاة والضريبة والجمارك بتحقيق معايير P3M3، بل ضمنت أن يصبح النموذج جزءًا دائمًا من بنيتها المؤسسية.
إذا كانت مؤسستك تسعى لتعزيز مستوى النضج المؤسسي، فالآن هو الوقت المناسب للتواصل مع شركة استشارات إدارية سينكسيل وتحويل الخطط إلى نتائج قابلة للاستمرار.
إقرأ أيضًأ: البنية المؤسسية وتطوير الأعمال: أثرهما في تحقيق التنافسية
خاتمة
أثبتت تجربة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في تبني نموذج P3M3 أن النضج المؤسسي ليس رفاهية إدارية، بل ضرورة تشغيلية تضمن البقاء الفاعل في بيئة متغيرة. ومن خلال شراكتها مع شركة سينكسيل، تمكّنت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك من تحويل التحديات إلى فرص، والرؤية إلى ممارسة.
وتُعد هذه التجربة درسًا عمليًا للجهات الأخرى الساعية لبناء قدرات مؤسسية قائمة على الاستدامة، والشفافية، والانضباط، في ضوء معايير عالمية يمكن تكييفها ومواءمتها محليًا.